• الساعة الآن 10:15 PM
  • 22℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

تحليل استراتيجي شامل: ماذا سيحدث اذا سقط نظام ولاية الفقيه؟!

news-details

خاص - النقار 

النظام الإيراني قائم على هيكل هرمي يجمع بين السلطة الدينية والعسكرية. فالمرشد الأعلى (آية الله علي خامنئي، 86 عامًا) هو المرجعية الفعلية التي تُغلب كلمتها على جميع الشؤون . وبجانبه يقف الحرس الثوري الإيراني (IRGC) كحامي النظام المحلي والذراع العسكرية والسياسية الخارجية، إذ يُعدّ «أحد أقوى وأشد المؤسسات الإيرانية خوفًا» ويلعب دورًا رئيسيًا في الأمن الداخلي واقتصاد البلاد . فعلى سبيل المثال، يسيطر الحرس الثوري على نحو 125 ألف جندي وقد هيمن على ما يقارب نصف ثروة النفط الإيرانية عبر شركات تابعة . وقد خُصصت موازنة 2025 أكثر من 12 مليار دولار للقوات المسلحة (ارتفاع بنسبة 200% عن السنوات السابقة) لتضمن تزويدها بالموارد من عائدات النفط والحظر ، في حين يعاني عموم المواطنين من تضخّم يتجاوز 35% وارتفاع في معدلات البطالة  . وهذا الترتيب الاقتصادي يُعفي أجهزة الأمن من الضغوط الشعبية ويضمن ولاءها بالمزايا المادية بغضّ النظر عن الدعم الشعبي .

 

إلى جانب ذلك، يسيطر الحرس الثوري على شبكات اقتصادية ضخمة في البناء والاتصالات والصادرات، يعززها استغلال العقوبات لكسب دولارات يعيد توجيهها لدعم جناحه السياسي والعسكري . وبذلك يعيش النظام بفارق عن الرأي العام: الأمنيون يتلقون رواتبهم المضمونة بالرغم من الأزمة الاقتصادية، مما يفصل بين استقرارية النظام وسخط المواطنين . أما التيارات السياسية فمحكومة بقبضة مشددة؛ فقد سيطر المحافظون الموالون للمرشد على البرلمان ومجلس الخبراء، في حين تم تهميش الإصلاحيين داخل المؤسسات أو سجنهم أو نفيهم  . ورغم انتخاب رئيس إصلاحي (مسعود بيزِشكيان) في 2024 ، إلا أن دوره محصور في ظل بقاء الجهازين القضائي والأمني بيد حلفاء المرشد.

 

قوى الفراغ المحتمل: تبدو القوى المعارضة والبديلة مجزأة وضعيفة داخل إيران. ففي المنفى توجد مجموعات مثل الموالين للملكية (رئيسهم السابق رضا بهلوي) وكذلك جماعة «مجاهدي خلق» (MEK)، لكن لا تمتلك أيٌّ منهما حضورًا فعالًا داخل البلاد  . وبخلاف الرمزيات التاريخية، لا يوجد حالياً حزب أو قيادة موحدة في الداخل يمكنها ملء الفراغ فوراً . أما التيارات الداخلية فتشتمل على دُعاة إصلاح (معتقلين أو نافين)، وضباط عسكريين قد يُمثلون عنصراً حاسماً (يُتداول أن ضباطاً صغارًا قد يحاولون انقلاباً داخليًا لتسليم البلاد إلى حكم علماني ــ وإنْ غير ليبرالي ــ إذ يعتقدون أن prolongation الحرب غير مجد ). كما توجد أقليات مهمشة (أكراد، بلوش، عرب الأهواز) لطالما قاومت المركزية، وهي قد تستفيد من الفراغ مستقبلاً  . في حال حدوث تغيير جذري، برزت مؤشرات إلى عودة محتملة لشخصيات بارزة: على سبيل المثال جرى التلميح إلى إمكانية تشكيل حكومة طوارئ تضم الإصلاحيين الروحاني وظريف ولاريجاني ، وأُشيع أنّ نشطاء سجناء من حملة الانتفاضة (مثل مصطفى تاجزاده) قد يصبحون جزءاً من قيادة انتقالية . لكن كل هذه السيناريوهات تواجه شكوكاً داخلية، كما أن الثورة السلمية السابقة (حركة «امرأة، حياة، حرية» 2022) انتهت بلا قيادة واضحة ودون تغيير ملموس  .

 

احتمالات الصراع أو الانتقال: إذا انهيار النظام حصل، تحذّر تحليلات من انحدار إيران إلى فوضى تشبه «تفككَ بالكان» (Balkanisation) بسبب تنوعها السكاني الكبير . إذ يشكل الفرس نصف السكان فقط، والباقون من أذريين (حوالي 25%) وباقي الأقليات . وقد ترى باكو الحليف فرصة للتدخل في أذربيجان الإيرانيّة وشهدت موجات انفصالية كردية وبلوچيّة محتملة في تاريخ المنطقة  . على الجهة الأخرى، قد يقود انهيار النظام إلى حرب أهلية شاملة، أو إلى تقسيم مناطقي بين مناطق سنّية وشيعية وعربية وكردية، أو (نظريّاً) إلى انتقال سلمي برعاية مجلس تأسيسي شامل كما يقترح البعض . وأشار بعض المراقبين إلى احتمال انقلاب عسكري داخلي لفرض حكم مؤقت «عسكري علماني» لتجنب الحرب الأهلية . وحذّر مسؤولون إصلاحيون مثل تاجزاده من أن أي انهيار كامل قد يُخلف فراغاً يؤدي إلى «الفوضى وغياب الدولة» إذا لم يسبق لذلك تحضير جيد .

 

مستقبل الاقتصاد الإيراني: إن انهيار النظام سينعكس كارثياً على الاقتصاد المنهك أصلاً. فصادرات النفط، التي كانت عصب ميزان المدفوعات، محتجزة عملياً منذ سنوات من العقوبات، وأي إمداد جديد قد يبقى ضعيفاً أو مشروطاً  . التضخم خارج السيطرة (تجاوز 40% أو أكثر )، والسكان الفقراء يناهزون نصف المجتمع، كما أُعلن أن 57% من الإيرانيين يعانون من سوء التغذية، و50% من الرجال الشباب (25–40) بلا عمل  . وإذا تصاعدت أعمال العنف أو تعطلت المنشآت النفطية بسبب الحرب، فستنقطع موارد الحرس الثوري والتحالفات المالية وراءه ، ما قد يؤدي إلى انهيار البنية الاقتصادية ومن ثم إلى ربيع غاضب من احتجاجات اجتماعية. باختصار، الاقتصاد سيغرق أكثر في الأزمة، وقد تفاقم البطالة والفقر والهجرة حتى دون دخول مرحلة حرب مفتوحة، ناهيك بالفراغ السياسي الكامل.

 

الجوار الإقليمي والمستوى الحدودي

العراق: الميليشيات الشيعية العراقية (المعروفة بالـ“PMU” أو الحشد الشعبي، مثل كتائب حزب الله وكفاح شعبی) تشكل عماداً أساسياً لنفوذ إيران خارج حدودها. فقد ابتعدت هذه الفصائل عن شن هجمات مباشرة ضد القوات الأمريكية في العراق بناءً على توجيه الحرس الثوري الذي حصر دورها بتهديد إسرائيل أو ضمان خطوط التهريب . ومع تآكل النظام الإيراني، قد تنفلت هذه الميليشيات من سيطرة طهران ككيانات مستقلة أو تندمج أكثر في السياسة العراقية الداخلية لتحقيق مصالحها الخاصة. وقد يؤدي ذلك إلى تحولها إلى قوى ضغط رئيسية في المشهد العراقي أو إلى نشوب صراعات داخلية بين تكتلات شيعية مختلفة. ورغم الخطابات الدعائية لإخراج أميركا، فإن محللين يقولون إن هذه الجماعات كانت حتى الآن «محفوظة» كدعم لإيران في العراق وليس للقتال المباشر  . سينعكس انهيار النظام بإضعاف هذه القاعدة الاقتصادية والإيديولوجية لها، وربما يجعل دورها محصورًا أكثر في المشهد العراقي الداخلي.

الخليج العربي: تتخذ دول الخليج موقفًا حذرًا. فأي ضعف في إيران قد يُنظر إليه بوصفه فرصة للتقليل من نفوذ طهران الإقليمي، بيد أنه يحمل مخاطر في الوقت ذاته: كالحدوث الفوضى الأمنية عند الحدود أو موجات نزوح كبيرة. لذلك عززت السعودية والإمارات تحركاتهما الدبلوماسية والعسكرية (مثل تبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة) لتجنب تمديد الصراع إلى أراضيها. من المرجح أن الدول الخليجية ستزيد من الاستعدادات الدفاعية مع مواصلة التنسيق مع واشنطن (مثلاً تعزيز منظومة الدفاع الصاروخي المشتركة)، لكنها تجنب التدخل المباشر طالما يبقى الصراع بين طهران وتل أبيب على أراضي البعيد  . وفي حال تصاعد النزاع إلى معركة كبرى، قد تستفيد دول الخليج من فراغ إيراني لتقوية تحالفاتها (كما يحصل منذ تقاربها مع إسرائيل بصورة غير معلنة)، ولكنها ستتحفظ عن إشعال مواجهة شاملة خشية امتدادها إلى مناطقها الداخلية مع الأقلية الشيعية في السعودية وغيرها.

أفغانستان وباكستان: الأوضاع في الجارتين الشرقيتين مهددة كذلك بالاضطراب. فالانسحاب المحتملي لقوات إيرانية داعمة (كما كان يحدث سابقاً مع جماعات الحشد الشيعي الأفغاني) سيترك فراغًا أمنياً في المناطق الحدودية. تخشى طهران تسلل عناصر من طالبان أو داعش-خراسان عبر حدودها الشرقية . كما قد تستغل جماعات بلوجية سنية من معارضة إيران (كـ«جيش العدل» البلوشي) هذا الفراغ للتوسع؛ وسبق أن شنّ «جيش العدل» هجمات كبيرة ضد الحرس الثوري في المناطق الحدودية . وإذا انهار النظام الإيراني، فسينخفض الضغط على هذه المنظمات لتسوية أوضاعها، مما قد يسمح لها بالعمل بحرية أكبر في إيران وباكستان المجاورتين. ولهذا، سيشكل الاضطراب الإيراني حافزًا لتجدد معارك سنية-شيعية في جنوب آسيا، وربما تصاعد المظالم العرقية على الحدود المشتركة.

تركيا وأذربيجان: في شمال غرب إيران حصة كبيرة من الأتراك الأذريين (~24% من السكان)  . تستفيد أنقرة وباكو من هذه النسبة لتحقيق نفوذ إقليمي. ففي السنوات الأخيرة، مارست تركيا «قوة ناعمة» واسعة عبر البث الفضائي والدعم الثقافي للأذريين الإيرانيين . فآلاف المنازل في شمال غرب إيران تتابع القنوات التركية، وقد موّلت أنقرة تدريباً ثقافياً وإعلامياً لناشطين أذريين . هذا التغلغل قلّص من النفوذ المركزي الإيراني في تلك المناطق وساهم في صعود المطالب القومية التركية. وفي حال غابت السلطة المركزية، قد تحاول أذربيجان توسيع نفوذها لإعادة مد جسور تجمعها العرقي مع الأذريين داخل إيران. باختصار، قد تسعى أنقرة وباكو لتكثيف علاقاتهما بالأقليات التركية في إيران واستغلال الفراغ لإنشاء مناطق نفوذ جديدة شمال البلاد.

 

المستوى الإقليمي الأوسع

سقطت البنى المحورية لنفوذ طهران الإقليمي فعلاً في الأسابيع الأخيرة: فالأسد في سوريا انهار، وحزب الله في لبنان تضرر بشدة، وحماس في غزة تكاد تنعدم قدراته بقصف إسرائيلي متواصل  . هذه الأحداث تهدد مشروع «الهلال الشيعي» الذي بنته إيران عبر دعمها لجماعات في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فمثلاً انتهى ارتباط إيران بلبنان عملياً بإسقاط نظام الأسد وخسارة خطوط الإمداد الموصلة إلى حزب الله ، وخسر «محور المقاومة» أحد أعمدته (نصر الله) دون أن تقاوم ميليشياته سقوط حلفائه  . يُطرح السؤال الآن: هل ستتحول الأحزاب الشيعية والديمقراطية الصغيرة (كـ«حركة أمل» في لبنان أو بعض أحزاب العراق الشيعية) إلى لاعبين محليين مستقلين؟ أم أن المجتمع الشيعي في هذه الدول قد يشهد اضطرابات جديدة؟ في اليمن مثلاً، فقد فقد أنصارالله جزءاً من دعمهم الإيراني، وقد يجبرهم ذلك على الدخول في تسوية محلية أو تقسيم مناطقهم.

 

أما التأثير على الحركات الإسلامية السياسية، فهو مرتبط بطبيعة التحول: إذا انكسرت «الثورة الإسلامية» كمشروع طموح، فإن حركات إسلامية شيعية (كالشيعة السياسيون في العراق وإيران نفسها) ستفقد النموذج والداعم المادي، وربما تتحول إلى نزعات محلية ذات طابع مدني. بالمقابل، قد تجد الحركات الإسلامية السنية مجالاً أوسع: فالحركات مثل الإخوان أو بعض التنظيمات الجهادية قد تستغل الفراغ لتعزيز مواقعها السياسية أو الدعوية، مستغلة انعدام توازن القوة السني–الشيعي في المنطقة. بإيجاز، سيُعاد رسم الخريطة الأيديولوجية: تهتز مناعة التنظيمات الشيعية المُموَّلة من إيران، وقد تصعد تيارات سنية تسعى لملء الفراغ السياسي والإيديولوجي .

 

المستوى الدولي

 

واشنطن: الولايات المتحدة الأميركية تتخذ نهجاً حذراً. فقد أكدت واشنطن أنها لا تؤيد أي هجوم إسرائيلي استباقي على منشآت إيران النووية ، كما أنها تسعى لتجنب تمدد الصراع. الإدارة الأميركية تراقب التطورات بقلق بالغ خصوصاً فيما يتعلق بانتشار النفوذ الإيراني النووي والإرهابي، ولكنها تميل للعمل مع شركائها لاحتواء الأزمة.

 

موسكو: روسيا تعتبر إيران حليفاً في مواجهة النفوذ الغربي بالشرق الأوسط، لكنها لا تريد انقلاباً أسود يُطيح بنظام كان يمثل سنداً لها (خصوصاً في سوريا). وعلى رغم التوتر المتصاعد، لم تُرسل روسيا أي دعم عسكري مباشر لطهران خلال التصعيد الأخير . تُعبّر موسكو شفهياً عن رفضها لأي تغيير نظامي خارجي في إيران ، ولكنها تسعى أيضاً للحفاظ على التحالف. أي تدخل روسي يُتوقع أن يتركز على حماية مصالحها (مثل قواعدها في سوريا أو تزويد النظام بالإمدادات الدفاعية) دون الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.

 

بكين: توازن الصين بين إدانة إسرائيل عملياً ودعم إيران سياسياً، وبين حرصها على أمن إمدادات الطاقة. فالصين استنكرت الضربات الإسرائيلية على إيران ، لكنها في الوقت نفسه حذرت من تعطيل ممرات النفط الرئيسية. فهي تعتمد على النفط الإيراني (حوالي 10% من احتياجاتها) فضلاً عن إمدادات الخليج الأخرى  . لذا من المرجح أن تواصل بكين الضغط دبلوماسياً لحفظ تدفق الطاقة عبر مضيق هرمز، وحتى إذا دعمّت إيران شكليًا فإن هدفها الأساسي هو الاستقرار التجاري  .

 

الاتحاد الأوروبي: تتبنى أوروبا موقفًا متوازنًا يقوم على الدعوة للتهدئة والحفاظ على الاتفاق النووي. فقد أعلنت دول «الأوروبي الثلاثي» (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) التزامها بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي عبر آليات العقوبات (بما فيها تفعيل آلية العقوبات المعلقة–snapback) . كما حثّت بروكسل واشنطن وطهران على العودة للمفاوضات، وسط خشيتها من تداعيات سقوط النظام (من موجة هجرة إلى اضطراب الطاقة). على العموم، لا ترغب أوروبا برؤية مواجهة عسكرية ممتدة لأنها ستؤثر سلبًا على أمن الطاقة وأسواق النفط العالمية.

 

البرنامج النووي: يُشكِّل تحدياً رئيسياً. الأمريكيون يراقبون الطاقات النووية بحذر شديد ويعارضون أي ضربة تُعرِّض المنشآت للخطر ، فيما يأمل المجتمع الدولي بمنع تسلل المواد النووية إلى فصائل مسلحة. في حال انهيار السلطة الإيرانية، ستكون هناك ضغوط لتعزيز الرقابة الدولية (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) وتأمين المواقع النووية. وبالموازاة، قد يُنقلب طرف إسرائيلي للسيناريو الأضطراري: إذا تُرك البرنامج دون رقابة وظهر احتمال انتقال نووي إلى فصيل متشدد أو غير مسؤول، قد تدفع إسرائيل للتدخل عسكرياً مبكرًا منعاً لانفلات الموقف، رغم رفض واشنطن المسبق لذلك .

 

سوق النفط والممرات البحرية: أدت التصعيدات الأخيرة إلى ارتفاع برميل النفط على الفور. فقد أشار بنك جولدمان ساكس إلى إضافة علاوة مخاطرة تقدر بـ10 دولارات للبرميل بسبب تراجع الإمدادات الإيرانية والقلق من تعطل ممرات النفط . وبسبب هذه العوامل وصل سعر برميل خام برنت إلى نحو 78.5 دولار في 13 يونيو 2025، مع توقعات بتجاوزه 90 دولارًا حال استمرار التوتر . وإذا انقطع النفط الإيراني (بالإكراه أو انهيار سوقه) أو أغلقت قناة هرمز بسبب أي تصعيد، فسيعمق ذلك أزمة الطاقة العالمية. كذلك، قد تتعرض طرق الشحن في البحر الأحمر لخطر إضافي بفعل صواريخ الحوثيين المدعومين من إيران ضد السفن التجارية، مما يعرض الأمن البحري لضغوط جديدة. الخلاصة، انهيار النظام الإيراني سيعقّد معادلات سوق النفط العالمية ويشعل المخاوف على أمن الممرات الاستراتيجية، رافعه أسعار الطاقة إلى مستويات عالية.

 

السيناريوهات الجذرية وغير المتوقعة

 

ثورة مضادة أو تدخل خارجي: ثمة احتمال أن تنشط قوى خارجية لدعم صراع مضاد، سواء بتمويل تشكيل حكومة موالية للغرب (مثلاً دعم أميركي/سعودي لتيار علماني أو ملكي مختار) أو بتسليح جماعات دينية لمواجهة أي تغيير. سيناريو مماثل  لما شهدته ليبيا بعد 2011 (فوضى مسلحة متعددة الأطراف) أو العراق بعد 2003 قد يواجه إيران، بمعنى احتمالية صراع وكيل بين قوى إقليمية داخل الحدود الإيرانية. قد تظهر تشكيلات مسلحة مدعومة من الخارج تحاول إعادة إنتاج حكم استبدادي جديد.

 

مقارنات محتملة: قيل إن إيران قد تتحول إلى «ليبيا جديدة»، حيث تنهار السلطة المركزية وتقاسي الفوضى في كل حدب وصوب. أو ربما إلى «شيشان»، بمعنى حرب أهلية طويلة مع بقاء قوة أمنية مركزية تفرض سيطرتها بالقوة حتى لو اقتصر الأمر على العاصمة. وهناك احتمال آخر اشبه بـ«كوريا شمالية شيعية» تتمثل في بقاء نظام عسكري/أمني غليظ مكثف مقنع بعزل تام ونزع قد يكون نووياً؛ حيث تستمر دولة مركزة صارمة دكتاتورية مع قدرات نووية، لكن بدون انفتاح أو إصلاحات.

 

التدخل الروسي أو الصيني: حتى الآن، اقتصرت مساهمة موسكو وبكين على الدعم الكلامي وطالبتهما بضبط النفس  . لكنهما تتابعان الأزمة باهتمام. قد تفكر روسيا في دعم مباشر (مثل إرسال مدربين أو أسلحة إضافية للنظام)، لكنها تقلق من أي صدام محتمل مع الغرب أو إسرائيل. أما الصين، فتملك مصالح اقتصادية ضخمة (مشروعاتها في إيران)، وقد ترسل قطعاً بحرية إضافية لحماية الملاحة في مضيق هرمز إن لزم. ومع سقوط النظام، قد ترفع روسيا والصين رهانهما لحماية استثماراتهما (طرق برية بحرية، منشآت نووية)، وربما تكون السيناريوهات المستقبلية مرتبطة بمدى تدخلهما لموازنة النفوذ الأميركي والروسي والصيني.

 

الخلاصة: 

بناءً على ما سبق، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل إيران بعد الأزمة الراهنة:

الأول: التفكك الكامل : يؤدي انهيار شامل للنظام إلى تقاطع حروب عصابات مناطقية واستقلالات عرقية. يُحكم المصير من قبل قادة محليون أو ميليشيات عرقية، وتظهر حكومات إقليمية متعددة. ينتشر العنف ومجموعات السلفية والجهادية في الشمال والشرق، وتُصبح إيران قطاعات ذات سيادة محدودة. اقتصادياً ينهار شاملًا، وتكون الفوضى خطرًا أمنيًا عالميًا على إمدادات النفط والممرات البحرية.

الثاني : الانتقال السلمي: يتم التوصل إلى تسوية انتقالية برعاية دولية (مجلس تأسيسي أو حكومة ائتلافية) يؤدي إلى تغيير تدريجي للنظام نحو حكم مدني. يُدير معبر معقول النخب المعتدلة والجنرالات المنشقون تغييرًا داخل المؤسسة العسكرية. تحافظ إيران كوحدة جغرافية وأمنية؛ ويتم تفعيل مشروعات إصلاح اقتصادي، وربما تجديد اتفاق نووي بإشراف دولي. تنخفض حدة النفوذ الإقليمي الطائفي تدريجيًا، لكن المجتمعات الشيعية في المحاور السابقة (لبنان، سوريا، العراق) تسعى لاعادة ترتيب أوضاعها بعيداً عن الإملاءات الإيرانية.

الثالث : التغيير العسكري العنيف : ينفذ جناح متشدد داخل النظام (مثل كبار الضباط أو الحرس الثوري المتبقي) انقلابًا عسكريًا ضد قيادته، أو تتولى قوات خارجية (كالأمريكيين) ضمان فرض حكومه انتقالية بالقوة. يحدث انقلاب داخلي قاسٍ يُطاح بالمرشد ويحل محل النظام مجلس عسكري انتقالي. في هذا السيناريو يسود القمع في البداية لتجنب الانهيار، مع تطبيق إصلاحات شكلية. قد تستهدف القوات الانتقالية إحياء مؤسسات الدولة بسرعة، لكن الثأرات تبقى محتملة وقد يزداد دور الحرس في السلطة. تبقى إيران موحدة جغرافيًا، إلا أن حكمها يُدار بيد قوات الأمن مع رقابة إقليمية، ويُرفَض أي نهج ديموقراطي مفتوح في المدى القريب.

 

كل سيناريو من هذه الاحتمالات يخلف انكسارًا للنظام الحالي بنمط مختلف: ففي الأقصى تتفتت الدولة، وفي الوسطي تحصل تحولات سلمية مؤسساتية، أما في الأكثر تطرفًا فلا يتغير شكل النظام الداخلي إلا بأنه سيطرته عسكرية نشطة. خريطة المستقبل ستتحدد بناءً على التوازنات الحالية بين الاحتجاج الشعبي، انقسام المؤسسات الأمنية، وتدخل الجهات الخارجية.

شارك الخبر: