خاص - النقار
في ضلاع (أبو صلاح)، وفي عنس (داهم العمياء)، وفي البطاقة التعريفية نافذ ناهض يستطيع أن يغزو الجبال بكساراته وينصب مكاتبه الجبائية بين مطارح النيس والكري على امتداد الخارطة الأنصارية كمجاهد له قصب السبق في اكتشاف مصدر مكوس وفير.
لم يكد الجمل ينتهي من منطقة ضلاع همدان في محافظة صنعاء، بعد أن جيء به إلى هناك لطحن جبالها ونصب مكاتبه الجبائية على سائقي شاحنات النيس والكري، حتى انتقل بكساراته ومكاتبه إلى منطقة عنس في محافظة ذمار. فكسارات الرجل عابرة للمحافظات كما يبدو، وبوسعها أن تلتهم ما تشاء من الجبال وتحيلها إلى شيء أكثر رنينا من العملة المعدنية التي طبعتها جماعته، رحمة منها بالعملة الورقية التالفة.
يتغير لقب الجمل بحسب المنطقة التي يكون قد حضر فيها، فمنطقة عنس لا يعود من المناسب لها اسم (أبو صلاح)، وإنما لا بد من اسم له وقعه وأصداؤه بين الجبال التي يطحنها: (داهم العمياء).
اسم بهكذا رطانة لا يمكن أن يأتي مصادفة، ودون أن يكون ناطق أنصار الله في عمان وصاحب الامتيازات الأكبر في قطاعات النفط وشركات الصرافة عبدالسلام فليتة قد اطلع عليه. بل لعله هو من منحه إياه تقديرا لبلائه الحسن في جبال ضلاع، وقد قام بتحويل أصحاب الكسارات وشاحنات الكري إلى شقاة ودافعي مكوس، مستحوذا على كل شيء ومتحكما بكل شيء.
كان ذلك حين قدم مع كسارته واشترى الجبال هناك وبدأ مشروعه الاستثماري في طحن الصخور وبيعها خرسانة لسائقي الشاحنات بالمتر المكعب وبالسعر الذي يريد بعد تواطؤ أصحاب الكسارات الآخرين وإخلاء الجو له يسرح فيه كما يريد. ولا شيء قام به الجمل هناك سوى تسعيرة المتر المكعب من 15 ألف ريال إلى 30 ألف ريال، بالإضافة إلى فرض ما تُسمى "زكاة الركاز"، والتي تصل إلى أكثر من 7200 ريال عن كل شاحنة.
احتج السائقون وضجوا بأصواتهم لعل ما تبقى من جبال منطقة ضلاع يمكن أن تفعل شيئا إزاء ما يحدث، لكن لا فائدة، حيث صميل الجمل ومن ورائه فليتة كان أقوى من كل أصواتهم واحتجاجاتهم. حتى الجبال كانت قد انصاعت لكسارة الجمل ومكاتبه الجبائية، ولم تعد إلا في وارد أن تنتظر متى يحيلها الجمل إلى حصى ويأمر بحملها على ظهور الشاحنات.
الأمر نفسه حدث في منطقة عنس بذمار، حيث نصب الجمل مكاتبه الجبائية الوسيطة بين أصحاب الكسارات والمشترين، وفرض على سائقي الشاحنات هناك ما فرضه في ضلاع همدان من جبايات باهظة.
وبحسب أبناء عنس، فإن الجمل جاء إلى المنطقة تحت اسم داهم العمياء بذريعة تنظيم قطاع النيس"، وسرعان ما أحكم سيطرته على قطاع الكسارات وإنتاج النيس في منطقتهم، حيث أنشأ مكاتب وسيطة تُدار بالقوة بين ملاك الكسارات والمشترين، تستحوذ من خلالها تلك المكاتب على أكثر من 15 ألف ريال عن كل حمولة شاحنة.
وجد سائقو الشاحنات الذين يشترون النيس والخرسانة من أصحاب الكسارات أنفسهم أمام إتاوات أثقلت كاهلهم وهدّدت مصدر رزقهم الوحيد، تعالت أصواتهم في كون ما تقوم به مكاتب الجمل عبارة عن جبايات غير رسمية وخارجة عن القانون. نفّذوا، في أبريل الماضي، إضرابًا شاملًا احتجاجًا على ما يحدث، لكن الجمل زاد في ركونه إلى اللقب الفخم (داهم العمياء)، ظنا منه أن جبال عنس سترضخ له مثلما رضخت جبال غيرها.
وما هو إلا وقت حتى تداعت قبائل عنس إلى الموقع الذي كان الجمل (داهم العمياء) قد أناخ فيه ونصب مكاتبه الجبائية، مطمئنا إلى لقبه الفخم وأطقم جماعته المنتشرة في المكان. وكما تتعامل الريح مع نبتة طارئة، هكذا وجد الجمل مكاتبه تحترق وتجتث من فوق الأرض وتتطاير أوراقها في الجو، دون أن يملك مع أطقم حراسته سوى الانسحاب من المكان، بهدوء ودون أن يدري ما إذا كان قد أخذ معه لقب داهم العمياء أم تركه هناك مع الأوراق المتطايرة وكانتينات الزنك المحترقة.