• الساعة الآن 02:11 AM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

من الهدنة إلى الهاوية: هل دفعت سلطة صنعاء البلاد نحو المجاعة؟

news-details

 

خاص - النقار
منذ توقّف المعارك العسكرية في اليمن في ربيع 2023، إثر تحركات دبلوماسية إقليمية، دخل البلد في حالة هدوء نسبي. لكن المفارقة أن هذا الهدوء لم يجلب معه أي تحسن في الوضع الإنساني، بل على العكس، بدأت الأزمة تتفاقم بوتيرة متسارعة، لا سيما في ملف الأمن الغذائي.

بحلول نهاية 2024، كانت التقارير الدولية تُشير إلى أن نصف سكان اليمن تقريبًا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في ظل تراجع حاد في حجم المساعدات الإنسانية. برنامج الأغذية العالمي أعلن أن عملياته في اليمن باتت مهددة بسبب نقص التمويل، ما أدى إلى تقليص التوزيع الغذائي بشكل غير مسبوق، خصوصًا في مناطق سيطرة أنصار الله.

في ديسمبر 2023، اضطر البرنامج إلى تعليق توزيع الغذاء العام في مناطق الشمال بعد فشل التوصل إلى اتفاق مع سلطة صنعاء (انصارالله) حول إعادة استهداف المستفيدين. وأكد أن مخزون الغذاء في تلك المناطق أوشك على النفاد، وأن أي استئناف للتوزيع سيستغرق شهورًا. وبذلك تُرك ملايين اليمنيين دون دعم غذائي لأشهر، في وقت تعتمد فيه أغلبية السكان على هذه المساعدات للبقاء.

سياسات سلطات الأمر الواقع تعمّق الكارثة

إلى جانب العجز الدولي، ساهمت ممارسات جماعة انصارالله بمناطق سيطرتها في تعقيد الأزمة الإنسانية. منذ منتصف 2022، بدأت الجماعة بفرض اشتراطات على عمل المنظمات الإغاثية، منها اشتراط وجود “محرم” لمرافقة الموظفات اليمنيات أثناء تنقلاتهن. وتسببت هذه السياسات في توقف عدد من العاملات عن أداء المهام الميدانية، مما انعكس سلبًا على وصول المساعدات للنساء والأسر الأشد فقرًا.

منظمات دولية أكدت أن هذه القيود تمثل عقبة كبيرة أمام العمل الإنساني، وتجبر الوكالات على تقليص برامجها أو إنفاق موارد إضافية لتلبية الشروط المفروضة. وعلى الرغم من الانتقادات الأممية، استمرت أنصار الله في فرض هذه المتطلبات بدعوى “احترام التقاليد”.

الاعتقالات والتصعيد ضد المنظمات

في يناير 2025، شهدت العلاقة بين أنصار الله والمنظمات الدولية تصعيدًا خطيرًا، عندما اعتُقل ثمانية موظفين من برنامج الأغذية العالمي في محافظة صعدة. وأدى ذلك إلى تعليق الأنشطة الإنسانية في المحافظة، وهي من أكثر المناطق تضررًا.

لاحقًا، أعلنت الأمم المتحدة وفاة أحد الموظفين المعتقلين، أحمد باعلوي، داخل أحد سجون أنصار الله في ظروف غامضة. أثار الحادث موجة إدانات واسعة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، التي طالبت بتحقيق شفاف، بينما التزمت سلطة صنعاء الصمت حيال الحادث.

تعليق العمليات الإنسانية في صعدة مثّل ضربة قاصمة للأهالي، إذ توقفت المساعدات بالكامل، في حين لم تُحرّك أنصار الله أي إجراءات لاحتواء التداعيات أو إطلاق سراح بقية المعتقلين.

شهادات من الميدان

في مخيم نازحين بمحافظة حجة، يقول عبدالله عبده، وهو رب أسرة مكوّنة من 12 فردًا: “كنا نعتمد على المساعدات من برنامج الغذاء، لكنها توقفت منذ أشهر. الآن نأكل مرة واحدة في اليوم، ونوفّر ما تبقى للأطفال”.

أما في لحج، فتقول أم أحمد، وهي حامل في شهرها الأخير: “المخيم يفتقر للرعاية الصحية. حتى الخبز والشاي بالكاد يتوفرا. أشعر أني ألد طفلي للمجهول”.

عمال إغاثة يمنيون تحدثوا عن التضييقات التي يتعرضون لها أثناء أداء مهامهم. أحدهم قال: “نُجبر على البقاء في المكاتب أو نواجه صعوبات في المرور بين النقاط الأمنية. هناك مناطق نضطر لتجنّبها كليًا بسبب الاعتقالات أو التهديد”.

تحذيرات دولية متصاعدة

حذّر برنامج الأغذية العالمي مرارًا من أن تقليص المساعدات سيؤدي إلى “أخذ الطعام من الجياع لإعطائه للأشد جوعًا”. في تقرير له مطلع 2025، أكد البرنامج أن أكثر من 64% من الأسر اليمنية لا تستطيع الحصول على غذاء كافٍ. كما أُجبر البرنامج على خفض برامج التغذية للأطفال والحوامل بنسبة تجاوزت 60%.

اليونيسف بدورها نبّهت إلى أن أكثر من 2.2 مليون طفل دون الخامسة مهددون بسوء تغذية حاد، وأن الخدمات الصحية في انهيار مستمر. أما المجلس النرويجي للاجئين، فاتهم المجتمع الدولي بـ”التخلي عن اليمن”، مؤكدًا أن ملايين الأشخاص لم يحصلوا على أي مساعدة خلال أشهر.

دور جماعة أنصار الله في عرقلة الإغاثة

ترى منظمات دولية أن جزءًا كبيرًا من تدهور الوضع يعود إلى تدخلات أنصار الله المباشرة في عمل الهيئات الإغاثية، من فرض جبايات على القوافل، إلى محاولة التحكم بقوائم المستفيدين. كما سُجلت حالات مصادرة شحنات أو إعادة توزيعها بعيدًا عن المستحقين، وهي اتهامات تنفيها الجماعة رسميًا، لكنها تتكرر على لسان أكثر من مصدر ميداني.

في صعدة، مثّلت حادثة الاعتقالات والوفاة في السجن نقطة تحوّل، دفعت بالأمم المتحدة إلى تقليص نشاطها في واحدة من أشد المناطق احتياجًا. ومع عدم تراجع سلطة صنعاء عن ممارساتها، بات من المرجّح أن يتقلص حضور المنظمات بشكل أكبر، مما يهدد حياة مئات الآلاف.

خاتمة: الجوع لا ينتظر التفاهمات

في الوقت الذي تعيش فيه البلاد هدوءًا عسكريًا غير مسبوق منذ سنوات، ينهار الأمن الغذائي وتتفكك أنظمة الرعاية الصحية بصمت. ولا يبدو أن المجتمع الدولي مستعد بعد لتحمّل مسؤولياته الكاملة، كما أن أنصار الله تستمر في سياسات تعمّق المأساة بدل أن تخففها.

اليمن يقف اليوم عند حافة المجاعة، لا بسبب نقص التمويل وحده، بل بفعل قرارات وإجراءات تعرقل كل مسار إنساني ممكن. وإن لم يحدث تحرّك عاجل يرفع القيود ويعيد التمويل ويوفّر الحماية للعاملين في المجال الإنساني، فإن الكارثة المقبلة قد تكون أعنف مما عرفه البلد في سنوات الحرب.

شارك الخبر: